الأربعاء، 26 يوليوز 2017

هوامش لا أدرية


1-
الأدب ليس مجرد أدب -بالمعنى الشائع عنه-، إنه ليس مجرد لغة أو ميتا-لغة حتى، إنه أكثر من ذلك؛ إمكانية من بين إمكانيات مختلفة للتفكير في العالم، هذا التفكير الذي لا يمكن اختزاله بأية ذريعة في ممارسة العقل "التعقل"، فللعالم أكثر من مدخل، إن أبوابه كثيرة والأدب أحدها، شريطة أن يضع نفسه موضع قلق إزاء العالم، أو العكس (أن يضع العالم موضع قلق تجاه ذاته)، وإذا عجز عن القيام بذلك يكف عن أن يكون أدبا.
الأدب سواء كان نثرا أم شعرا ليس مجرد لغة، لأن اللغة ذات المستوى الواحد تقف عند حدود التظاهر، إنها تتظاهر بالمعرفة والوعي، ولكنها لا تفكر في ذلك، لهذا فإن اللغة حسب الفهم الساذج للأدب لا تفكر، إنها فقط تصف أو تقص أو تتخيل...، بدون أن تتأمل أو أن تتساءل، إن الفكرة إذن هي التي تجعل من الأدب أدبا بالفعل، وبمدى عمقها وإزعاجها لسكون الفهم تقاس قيمتها.
الأديب هو الذي يضعنا في نصوصه أمام موقف جذري من العالم، وكلما اكتفى الأدب بجزالة اللفظ وتقنيات السرد أو النظم، ظل أدبا بلا أدب. وكلما تمت ممارسة الأدب على هذا الأساس حولت معه اللغة مهمتها لتصبح هي المهمة في حد ذاتها، لتصبح هي نفسها المفككة لميتافيزيقا العالم، هنا يكون القارئ مطالبا بأن يصعد إلى النص، عوض العكس، وبأن يقرأ النص دون أن يستوعبه منذ البداية، أن يمتحن قدراته ومنظوريته للأشياء والذوات في نص-محنة.إن هذا الفهم لا يدافع عن البعد الأداتي للأدب وتبعيته للفكر، ومناط ذلك أن الفكر ليس دائما برهانيا بشكل يجعأله متناقضا مع الأدب. الفكر كما أسلفنا إمكانيات متعددة...وهذا ما يجعل المقبل على الأدب مطالبا بأن يتموقع في النص، أن يدرك في النهاية بأنه إزاء موقف.
2-
لا يخرق الأدباء الواقع في النصوص، إنهم بالأحرى ينتقمون منه، لأن أغلبهم ينتمي إليه، خضوعا وانضباطا... قلة منهم من تشكل تجربتهم الإبداعية جزءا من خرقهم للواقع ككل، كتجربة إنسانية متسمة بالاضطراب...، إذ ذاك يعيش الأدب أديبه، يغرق فيه الأدب بكل تفاصيله، يصير منجزه الإبداعي بعضا منه، أو كله أحيانا. أغلب الكتاب يمارسون الأدب بوصفه هامشا، وفي نظرهم الأدب لا ينتمي إليهم، ومع ذلك يكذبون ومصرون دائما على ادعاء العكس، خصوصا حينما يصف أحدهم الأدب قائلا: إنه كل ما أملك. لكن، لو سألته عن موقف مضمر أو عن سر مخجل أو عن جماليات ماجنة في نص ما، لأجابك في الحال: "هذا مجرد أدب".


 

يسمح لكم بنقل الموضوع بشرط ذكر المصدر : هوامش لا أدرية | عرب بنرز بروكر

التعليقات :

إرسال تعليق

رجاء تجنب استعمال التعليقات لبث روابط إعلانية. كذلك ننبه إلى ضرورة الالتزام بصلب الموضوع وعدم الخروج عليه حتى لا يفقد الموضوع أهميته.